Physchologie/Philosophie - Philosophie du monde arabe

موسى وهبة... فيلسوف «العربية » 3/6

موسى وهبة يثير الجدل: هل المترجم هو الفيلسوف الحقيقي؟ رفض فكرة "فلسفة غربية" ودعوة للنهوض بالفكر العربي الإسلامي من خلال الحداثة 

Salwa FADEL

الراحل موسى وهبة، الفيلسوف والمترجم، يُعد أول من تحدّث بإمكانية القول الفلسفي بالعربية. وقد نقل عنه قول إن الفيلسوف الوحيد المُمكن بالعربية اليوم هو المترجم. ويعود تبرير هذا القول إن المترجم، هو فيلسوف في الوقت نفسه، إلى أنه من الممكن أثناء عمله على ترجمة النص الفلسفي من لغته الأصلية أن يبتكر فلسفته الخاصة.

لا فلسفة غربية

لا أوافق أصلاً فلاسفة كبار كـ"هايدغر" الذي يستعمل مصطلح "الفلسفة الغربية"، وبرتراند راسل الذي لديه كتاب اسمه "تاريخ الفلسفة الغربية". فالفلسفة فلسفة، ونقطة على السطر. ليس هناك ما يُسمى الفلسفة الغربية والفلسفة الشرقية، هناك التي بدأت من اليونان واستكملت حتى هبرماس، أو فتغنشتين. معظم الكتابات هي بلغات غربية، لكن هذا لا يجعل منها فلسفة غربية.

الغرب يبدأ من حدود الهند، نحو غرب آسيا، وما يُسمى ثقافة غربية اليوم أو حضارة بصورة عامة نحن جزء منه، ولسنا غرباء عنه، ابتداءا من أرسطو في اليونان وما يقولونه من قسمة العالم إلى عالم متمدن وعالم بربري وعالم بارد نحن أمة وسط، والفضيلة وسط بين رذيلتين والحقيقة واحدة، والمحرك الأول واحد، وفي حال معرفتنا للحقيقة يجب نشرها على العالم. هذا هو الغرب أما الشرق فهو مختلف.

لطالما ولّدت الفلسفة أفكار غيّرت العالم، لكن في الاتجاه الذي دمر العالم في حقبات معينة، وهذا ليس نتيجة الفلسفة، بل نتيجة فهمنا للفلسفة، فالفلسفة قد أن تذهب باتجاه الفاشية أو النازية أو أي استبداد، فالفلسفة تبدأ كما بدأت مع أفلاطون بالحوار، والحوار يعني التخلي عن العنف.

من أفلاطون المثالي إلى نيتشه وفلسفة القوة

رغم الاعتراض على فلسفة "نيتشه" وطريقة تفكيره بالعالم، إلا أنه غير مسؤول عن النازية، فهو مات عندما انطلقت النازية، وماركس غير مسؤول عن ستالين ومعسكرات الاعتقال، ومخترع القنبلة الذرية ليس المسؤول عما حدث في هيروشيما، بل المسؤول هو من استعملها لغايات أخرى. الفيلسوف يطلب الحقيقة، حقيقة ما هو قائم، فـ"نوبل" اخترع البارود، ولم يكن يقصد به قتل الناس، كذلك من اخترع السكين لم يكن يقصد القتل، الذي فكر ليس مسؤولا عمن استعمل تفكيره وكيف استعمله، "نيتشه" مثلا لديه تصاريح لو أخذت على حرفيتها نقول هذا هتلر!

"نيتشه" أراد تغيير طريقة التفكير في العالم بدل التفكير بالفضيلة والمحبة والتوافق وهذه الأخلاق التي للعبيد، رأي أن العالم الآن ينهار لأن العبيد، أي من يمتلكون نفسية العبودية الذين يصلحون أن يكونوا خدما، هم الذين يحكمون العالم من خلال ما يُسمى الديموقراطية، فهو يريد أن تعود البشرية إلى حكم الأسياد، فالأخلاق الفضلى هي أخلاق الجاهلية كالفروسية والعفو عند المقدرة. كان همّه تغيير طريقة التفكير حيال القيم، وكان يرى أن البشرية ذاهبة نحو العدمية، لكن البعض استعمل أفكاره، والأفكار قابلة لأن تُستعمل، وهذا الكلام ينطبق على الثورات كلها، وعلى الأديان، فصاحب الفكرة أو صاحب النص، ليس مسؤولا عن كيفية استعمال الفكرة، بل من استعمله ووظفه.

الدين والفلسفة خطان لا يلتقيان

إن طرح مشكلة الفلسفة والدين وكيف يلتقيان مع بعضهما، هذا ليس من عمل الفيلسوف، بل شغل الفقهاء وعلماء الكلام تحديداً، الذين يحاولون التوفيق بين الفلسفة والدين، العقل والشريعة، العقل والنقل، فهؤلاء تحديداً لديهم همّ ديني وفكري معاً كـ "ابن رشد" و"الفارابي" والمعتزلة، ومنهم أيضا طه عبدالرحمن ومحمد أركون ونصر حامد أبوزيد، وهم مصلحون اجتماعیون أو دينيون أومفكرون حاولوا حل المشكلة بين الإسلام والحداثة، والتوفيق بين أن الإسلام والعصر.

وللعلم إن علم الكلام الأول خرج من الثقافة العربية، لا من عند العرب، لأن معظمهم ليسوا بعرب لكنهم تكلموا العربية، فعلم الكلام الذي نشأ بالعربية كان للتوفيق بين الحكمة اليونانية والشريعة الإسلامية. وليس كيفية دخلوهم الحداثة لأنهم هم أنفسهم كانوا يمثلون الحداثة في ذلك العصر دون غيرهم.

أما المشكلة اليوم فمختلفة، العالم يتقدم ونحن جامدون، لما لا نحاول التقدم؟ وهذا لا يسمى علم كلام، فـ "محمد أركون" أراد أن يعيد تفسير الآيات القرآنية وبشكل مختلف، فـ"أركون" كان يعتقد أن الاجتهاد السابق في عصر النبي وصدر الإسلام هو اجتهاد محكوم بعصره، ويعتبر أن السُنّة والحديث ليسا مرجعين، والمرجع الذي نحاول فهمه هو فقط القرآن الكتاب اللامتناهي كونه منزل. فبرأيه باستطاعتنا أن نقوم باجتهاد جديد للنص اللامتناهي بما يتوافق مع عصرنا الراهن وبصرف النظر عن كل الموروث والاجتهادات.